تعددت المعوقات التي تواجه القطاع الزراعي في مصر وخاصةً في الآونة الأخيرة، فشكلت التغيرات المناخية خطراً يهدد إنتاج المحاصيل، وكان الغزو العمراني للأراضي الزراعية سبباً واضحاً في تقلص الرقعة الزراعية في مصر، وأدي غلاء أسعار الماكينات الزراعية إلى العزوف عن الزراعة بشكل كبير.
وتأتي بعد ذلك أزمة البنية التحتية المائية الأولى ألا وهي مشاكل الري، فمما لا شك فيه أن مشاكل الري تُشكل خطراً كبيراً يواجه نجاح المنظومة الزراعية بشكل لا يستهان به، سنتحدث اليوم عن أهم مشاكل الري، وأنواع شبكات الري الحديثة، وأهم المقترحات لنجاح منظومة الري في مصر.
ما هي أهم مشاكل الري في مصر؟
تعددت مشاكل الري في مصر عبر السنين؛ فهناك مشاكل خاصة بفقد مياه الري وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل، وهناك مشاكل بسبب طرق الري القديمة وعدم استبدالها بطرق حديثة أكثر نفعاً، وبالطبع هناك مشاكل عند ري كل أنواع التربة بنفس الطريقة وعدم وضع عين الاعتبار لاختلاف خصائص التربة واختلاف حاجة كل نوع منها للمياه، وفيما يلي أهم مشاكل الري بالتفصيل:
1: فقد مياه الري: يُعد فقد مياه الري العذبة أهم مشاكل الري في مصر، ويرجع فقد المياه لأسباب كثيرة وأهمها الآتي:
-
ضعف شبكات المياه: ويرجع هذا لعدم الإحلال والتجديد اللازم لشبكات المياه وقنوات الري، وتسريب الأنابيب القديمة المستخدمة في الري والتي تهالكت ولم تعد تصلح للاستخدام، كما أن التكدس العمراني والعشوائيات المنتشرة بالقرب من الأراضي الزراعية أثرت على جودة الشبكات بشكل سلبي للغاية.
-
عدم القدرة على تحديد كمية الماء الكبيرة المهدرة نتيجة الصرف السطحي والرشح والتسرب بوسائل الري القديمة.
-
إصرار بعض العاملين في مجال الزراعة على استخدام طرق الري القديمة والتي تهدر كميات مهولة من الماء.
2: ارتفاع ملوحة مياه الري: تحتاج معظم المحاصيل لتربة خصبة و مياه ذات ملوحة معتدلة، ويتوقف نجاح الزراعة على درجة ملوحة التربة و ملوحة ماء الري المستخدم، وانتشرت مشكلة ملوحة ماء الري في الماضي قبل اكتشاف طرق تحليل درجة ملوحة التربة والماء، وقبل استخدام طرق الري الحديثة أيضاً وما لها من دور هام في التغلب على تلك المشكلة.
ولذلك يُنصح بتحليل ماء الري قبل البدء في استخدامه؛ لكي نتمكن من التعامل الصحي مع درجة ملوحته ومدى صلاحيته وزراعة المحاصيل التي تتحمل درجات الملوحة أكثر معه، وتحديد طرق الري والتسميد اللازمة، وإن لم نكتشف مشكلة ملوحة ماء الري مبكراً سيظل المزارع يعاني ولا يعرف ما سبب نقص إنتاجية المحصول في مزرعته.
3: تلوث ماء الري: أنهك التوسع العمراني تربة مصر الخصبة والمياه الصالحة لزراعتها وسبب لها العديد من المشاكل؛ حيث أدى بناء المصانع بالقرب من الأراضي الزراعية إلى انتشار التلوث الناتج عن تسرب أنابيب صرف المصانع وأنابيب الصرف الصحي بماء الري العذب والتربة، كما أن إلقاء النفايات في ماء النيل بات خطراً كبيراً يهدد صحة الإنسان والحيوان والنبات، وأثر على خصوبة التربة وصلاحية ماء الري المستخدم لها.
4: استخدام طرق الري القديمة: استخدم المزارعون في الماضي طرق ري بدائية مثل الري بالشادوف وكانت هذه الطريقة مرهقة للغاية وتتطلب عمالة زائدة، كما استخدموا الري بالطنبور وهذه الطريقة تسببت في إهدار كميات كبيرة من الماء وتتطلب أيضاً عمالة زائدة، و استخدموا الطريقة الأشهر في الماضي وهي الري باستخدام الساقية والتي تتطلب وجود حيوان قوي يدور بها حتى انتهاء الري، وكانت طريقة بطيئة تتطلب وقت طويل ومرهقة للإنسان والحيوان.
وعلى الرغم من مساوئ تلك الطرق القديمة إلا أن هناك العديد من الفلاحين ما زالوا يستخدمونها ويصرون عليها، إما خوفاً من تكاليف طرق الري الحديثة أو عدم التمكن من استخدامها.
5: نقص المياه العذبة: مما لا شك فيه أن مشكلة نقص الماء ستؤثر على الزراعة بشكل سلبي للغاية، فالقطاع الزراعي هو أول ما سيتأثر بنقص حصة مصر في ماء النيل وتقل معه إنتاجية المحاصيل المختلفة.
ومع زيادة التقلبات الجوية والتغيرات المناخية في العالم كله سيكون مستقبل مصر المائي في خطر؛ حيث أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاحتباس الحراري سيؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر المالحة عن مياه الأنهار العذبة الصالحة للري.
طرق الري الحديثة ودورها في حل مشاكل الري القديمة
أثبتت طرق الري الحديثة فعاليتها في حل معظم مشاكل الري القديمة، والحفاظ على المياه من الإهدار والحفاظ على التربة من التشبع بالماء نتيجة الري الزائد عن الحد، ومن أشهر طرق الري الحديثة:
1: الري بالتنقيط: تُعد هذه الطريقة من أفضل طرق الري الحديثة وأشهرهم على الإطلاق، ولكنها تتطلب تكاليف مالية كبيرة لإنشاء شبكات الري الخاصة والمجهزة بالكامل ومن أهم مميزاتها:
-
عدم الاحتياج لمزيد من العمال للقيام بالري؛ حيث أنها مجهزة للعمل بمجرد فتح مصدر المياه وإيصاله بشبكة الري، ويكفي شخص واحد لري مساحات كبيرة دون مجهود أو تعب.
-
توفير المياه المهدرة؛ حيث يتم الري باستخدام كميات محدودة للغاية دون الإفراط في ما لا يحتاجه النبات من الماء.
-
تصلح هذه الطريقة للري في المناطق الزراعية الرملية بشكل ممتاز.
2: الري بالرش: تُستخدم هذه الطريقة منذ فترة طويلة وفيها يقوم المزارع بالري باستخدام المواسير والرشاشات الخفيفة، ومن أهم مميزاتها:
-
تُعد الرشاشات معدات خفيفة في الوزن بالمقارنة بالأدوات القديمة الثقيلة.
-
تُسهل هذه الطريقة على المزارع عملية خلط الأسمدة و رشها على النباتات.
-
لا تتطلب عمالة كثيرة.
-
ترشيد استهلاك المياه.
-
تشبه قطرات الماء من الرشاشات حبيبات المطر، فترى النباتات بعد الري بالرشاشات أكثر حيوية.
3: الري بالفقاعات: وتُعد هذه الطريقة من أكثر الطرق نجاحاً في طرق الري الحديثة وخاصةً عند ري بساتين الفاكهة والنخيل، وسُميت هذه الطريقة بهذا الإسم نتيجة استخدام جهاز الفقاعات الذي ينظم تدفق الهواء داخل أنابيب الماء المستخدمة في الري ومن أهم مميزاتها:
-
توفير الوقت المستهلك في عملية الري بشكل كبير.
-
يمكننا استخدام المياه ذات الملوحة المتوسطة في هذا النظام لري الأشجار دون الإضرار بأوراق النبات.
وهناك بعض المقترحات التي يوصي بها المهتمين بالقطاع الزراعي في مصر لحل مشاكل الري مثل:
-
استخدام الري السطحي الذي لا يكلف المال مثل طرق الري الحديثة، ولا يهدر الماء كطرق الري القديمة مع الحرص البالغ على عدم غمر التربة بالماء.
-
تشجيع المزارعين على استخدام طرق الري الحديثة.
-
تطهير المجاري المائية من الترع والقنوات؛ للحفاظ على الماء المهدر منها بالتسرب والتبخر.
-
إعانة الفلاحين من قبل الدولة لمواجهة غلاء أسعار الميكنة الزراعية.
-
نشر الوعي البيئي بين أهالي القرى والمناطق العشوائية بالحفاظ على مياه الري من التلوث وإلقاء النفايات بها.
-
تجريم التعدي على التربة الخصبة وماء الري العذب من قبل أصحاب المشاريع الاستثمارية وبناة المصانع؛ لحماية التربة من العناصر الثقيلة الناتجة من حرق الوقود، وحماية الماء العذب الصالح للري من تسرب أنابيب الصرف الصحي وصرف المصانع.
-
نشر ثقافة الزراعة في الصوب؛ حيث لا تحتاج الصوب للمزيد من مياه الري ولا تتعرض المحاصيل فيها لمخاطر التقلبات الجوية.